الأربعاء، 19 أبريل 2017

بوصلة الإصلاح في خطر



هناك اشكالية كبرى يعيشها الانسان في جميع انحاء هذا الكوكب المسكين ، اشكالية القاء اللوم علي الآخرين ، وربما نظن ان هذه المسألة عابرة وغير مؤثرة ولا تحتاج الا شخصا لا يريد ان يظن فيه انه اخطأ فيتهم غيره بالتقصير ، ولكن الكاتب كارون روس في كتابه ثورة بلا قيادات - ترجمه المجلس الوطني للثقافة والفنون والاداب ، عالم المعرفة ، شهر مارس ، ٢٠١٧ - اوضح ماهية التأثيرات الناجمة عن الظن ان الفرد غير مسؤول عن الاخطاء الحاصلة ، في ذكره لقصة احداث شغب كوسوفو 2004، وبعيدا عن القصة قال الكاتب ، ان الناس اذا فقدت الاحساس بالمسؤولية تجاه ما يحدث وكلما ابتعدت اكثر عن الاهتمام بمستقبلها كانت اكثر نزوعا الى الشغب والتخريب ، وما ان يشعر المواطن بمسؤولية تجاه الوضع القائم والوطن حتى يكون اكثر هدوء والتزاما ، وربما اراد الكاتب ان يلقي باللوم على الامم المتحدة او غيرها ، ولكن الاصل في المسألة الشعور بالمسؤولية ، ومحاولة التغيير نحو الافضل .
الآية الكريمة " إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ " اتخذتها جمعية العلماء المسلمين في الجزائر شعارا لها ، وسعت بكل الطرق الي ثقيف الناس وابعادهم عن خرافات الصوفية ، وبالفعل هذا ما حدث حتى يقول مالك بن نبي عن هذا الموقف ان الشعب بات مسؤولا الى درجة انه ينظف منطقته ، ويعلم نفسه ، وهذا مناطه الشعور بالمسؤولية تجاه نفسه ومجتمعه ، ولكن وان ابتعدت الافكار الصوفية عن مخيلة الجزائري في ذلك الوقت ، اتى شبح او صنم آخر يقوم الجزائريون بتحميله المسؤولية كاملة كما كانوا يفعلون مع الاقطاب الصوفية ، الا وهو الانتخابات ، فينتخبون نوابا ، ينوبون عنهم في المسؤولية ، ويتحررون هم منها ، ومع هذا الصنم الجديد عاد ذلك البرود الى الشعب وقتل بوادر النهضة فيه.الا ان الانتخابات ليست المسؤولة عن ذلك ولكنها كانت السبب الرئيسي في الشعور بانتفاء المسؤولية عن الشعب ، وبذلك غابت النهضة ، فالمسؤولية والنهضة شرطان يجب ان يجتمعا في مجتمع واحد حتى يكونا فاعلين ، وان ذهب احدهما لحقه الآخر .و ان كانت قضية الانتخابات في ذلك اوائل القرن العشرين بتلك الاهمية ، فإنها في وقتنا الحالي اقوى سطوة و اخمادا للحركة ، لشيوع التفكير السياسي بين الناس ، بل ان الخلق باتت تنظر الي الشأن العام على انه الشأن السياسي فقط ، وكأن هذا الركن اذا صلح صلحت الامة واذا فسد فسدت الامة ، وهذه الفكرة اشد بسبب انتشارها الفظيع بين اوساط الشباب ، حتى قال عنها الشيخ ابراهيم السكران - فرج الله عنه - موجة تسييس الشباب ، فلا يمكن ان تناقش قضية خارج هذا الاطار ، ولا يمكن تساهم في المجتمع الا من خلال هذا الاطار ، حتي باتت مجالات المساهمة في نهضة المجتمع مجالا واحدا لا ثاني له ، المجال السياسي ، فضيقوا المجالات حتى ازدحم عليها الناس ، ففسد المجال وفسدت الناس معه .لا يتصور ابدا شعبا كاملا مهتم في مجال واحد ويسعى الي اصلاحه ومن غير المعقول اصلا ان يحدث هذا ، وان حدث فهذا مدعاة الي تقويض البرنامج الاصلاحي نفسه ، والمساهمة في توسيع مدارك الشباب ، وتوجيه طاقاتهم الى مجالات اصلاحية اكثر واكبر ، مهم جدا ونفعه يعود على البلاد والعباد ، وان اردت اخي القارئ ان اورد لك بعض المجالات الاصلاحية التي من الممكن ان تساهم فيها ، فهذا صعب على مثلي ان يورده ، لانها كثيرة جدا حتى لا يستطاع معها احصاء ولا تحديد ، ولكن لا بأس من اثارة بعض المصابيح لعل النور يملؤ ارجاء المدينة .من افضل الجوانب التي من المهم ان يقوم الانسان بإصلاحه في المجتمع والامة هو : نفسه ، فلا تعرف اخي الكريم مدى مساهمتك في التخفيف على امتك ومقدار المنفعة التي ستجلبها لها من خلال هذا الجانب المهم ، فالامة ماهي الا افراد ، وان اصلحت فردا من افرادها ( وهو انت طبعا ) ، فأنت ساهمت في اصلاح الاساس التي تقوم عليه الامة .الجانب الآخر هو المساهمة في نشر ثقافة الاصلاح ، وشعارها (  إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ  ) ومحاولة تحميل الناس المسؤولية في هذا الجانب وانه يقع على عاتقهم معرفة معنى تلك الاية ومعنى مفهوم الاصلاح ، وما ان ينتشر هذا المفهوم وهذه الفكرة بين الناس ، حتى لا يكون للفاسد مكان يستطيع ان يعيش فيه بين الافاضل الكرام المصلحين ، بل وربما نسي ذاك المثل القائل : ( بأن الطماطم العفنة تعيث فسادا بصندوقها ) فينقلب حتى يرثوا ابناءنا مثلا جديدا من انتاج عصرنا ( ان القطعة الصحيحة تصلح عفن الصندوق ).وهناك جوانب عديدة اخرى ، كأن تسعى الى اصلاح البيت مثلا ، ومكان العمل ونشر ثقافة سليمة فيه ، تحمل في طياتها بذور محاسبة النفس والجد والاجتهاد والاخلاص والعمل .وختاما من اراد عليه بالسؤال كما يقول المثل ( من نشد ما ضاع ) ، والعازم سيعرف الطريق وكما قال المثل : ( اللي في قلبه الصلاة ما يخيلها ) . سلام

للكاتب :
عبدالرحمن السبيعي